Social Icons

مباريات ما بعد الباكلوريا

الأربعاء، 10 يونيو 2015

الشخص والهوية

تقديم
يتعرف كل واحد من الناس على نفسه كشخص في مقابل الأشياء، إنه هو ذاته في مقابل موضوعات العالم الخارجي، إننا نتكلم عن أنفسنا باستعمال ضمير المتكلم « الأنا » ، ونضفي طابعا شخصيا على تجاربنا بردها إلى مركز « الأنا » عندما ألاحظ ألبوم صوري من الولادة إلى الآن: قد أقول « أنا تغيرت » هذه العبارة تحمل المفارقة التالية : التغير والثبات.
التغير من حيث أن صور الألبوم تعكس التغيرات التي طرأت على شخصي من الولادة إلى الآن، الثبات من حيث أنها تعبر عني أنا أي عن هويتي، إن ذلك الرضيع الذي كنته في الماضي هو أنا.
هل تقوم هوية الشخص على وحدة الأنا وتطابقهما أم على تعدد أدوارها واختلافها؟
النص: أساس هوية الشخص: طبعه وذاكرته (جول لاشولييه)
يشير مفهوم الهوية في دلالته الفلسفية إلى خاصية ما هو مماثل ومطابق لذاته، بهذا المعنى، فإن هوية الشخص تعني تطابق ووحدة الفرد مع ذاته، أي أنه هو ذاته في مختلف لحظات وجوده. في نفس هذا الإطار، يتساءل جول لاشولييه عن طبيعة وأساس هوية الشخص: هل تقوم على أساس ماهوي؟ هل تفترض بالضرورة أنا ثابتة؟
يؤكد لاشولييه أن الوقائع تكذب فرضية وجود أنا ثابت وماهوي لأن:
*الإنسان في حالة نوم ليس له أنا، أوله أنا متخيل (غياب الوعي).
*حالة فقدان الذاكرة إثر إصابة في الدماغ.
*حالة المرضى بالفصام وازدواج الشخصية
-إن ما يحدد هوية الشخص ووحدته هو الطبع (المزاج) الذاكرة، يتجلى الطبع أو المزاج في الطريقة الخاصة المميزة لسلوكات الشخص ومواقفه، وأفعاله  في علاقته بالعالم والآخرين والمميزة له كشخص.
-إن الشخص يعيش حالات نفسية شعورية متجددة ومتغيرة باستمرار، ترافق هذه الحالات الباطنية سلسلة من الذكريات المتراكمة.
-إن الطبع والذاكرة من الآليات التي تحافظ على وحدة الشخص وهويته ومطابقته لذاته.
-الهوية أو الهوية: حقيقة الشيء أو الشخص المشتملة على صفاته الجوهرية. وذلك منسوبا إلى هو، يقال مثلا أوراق الهوية=أوراق الشخص الرسمية التي تمنح له من حكومته.
أطروحة لاشولييه حول « هوية الشخص » تقوم على أساس نقد التصور الماهوي-ديكارت نموذجا- الذي يرى أن هوية الشخص، جوهر روحي هو الفكر « الأنا أفكر »، والتفكير كصفة من صفات النفس يعني مختلف العمليات الذهنية والسيكولوجية من شك وفهم وتصور… وظيفته التمييز بين الصواب والخطأ، الحقيقة والوهم، الوعي بالذات والأشياء…
إن هوية الشخص تتحدد حسب ديكارت في أفعال التفكير التأملي وهي متعددة ومختلفة (الشك، الإثبات، النفي، التخيل…) وهذا التعدد في أفعال الأنا لا ينفي هويتها، باعتبارها أنا واحدة وثابتة.
إن الأطروحة الديكارتية، لا تتحدث عن الشخص إلى في بعده المعرفي والميتافيزيقي، ومن ثمة فهويته الثابتة مجردة ميتافيزيقية، لا تتضمن أي تصور لما هو اجتماعي وتاريخي وأخلاقي في تحديد الهوية الشخصية، إنها ذات مفصولة عن وجودها.
وخلافا للموقف الذي يعتبر الوعي أو العقل أو الذاكرة أساسا للهوية، يرى موقف آخر (شوبنهاور) أن العقل مجرد تابع لقوة يسميها الإرادة ويصفها بإرادة الحياة التي  تفرض نفسها علنيا بقوة طاغية، فالإرادة هي أساس الهوية الشخصية لأنها تبقى عندما ننسى أو نتغير كليا.

خلاصة أولية

المعالجة الفلسفية للإنسان كشخص، تمت في إطار مقاربة مفهوم الذات (الأنا) كوعي أو كحالات سيكولوجية شعورية بمعزل عن علاقة نشاط الذات بما هو اجتماعي، ثقافي، تاريخي…
البنية النفسية الثلاثية للشخصية « سيغموند فرويد
في مقابل التصورات الفلسفية السابقة (لاشولييه-ديكارت-شوبنهاور…) التي عالجت مفهوم هوية الشخص، يقدم فرويد من منطلق عمومي (التحليل النفسي) تصورا جديدا للشخصية كبناء دينامي تتفاعل فيه ثلاثة قوى هي:
*الهو: موطن الغرائز والدوافع الحيوية التي تتطلب إشباعا مباشرا للحاجات العضوية والنفسية (المنطقة الحيوانية).
*والأنا الأعلى: ويمثل مجموع القيم والمثل الأخلاقية التي يكتسبها الفرد من المجتمع ونظامه الأخلاقي والتربوي والديني… والتي تمارس عليه ضغطا نفسيا (الضمير)…
*الأنا: منطقة الوعي والشعور والإدراك… وظيفتها تحقيق التوازن، من خلال التوفيق بين المطالب المتناقضة للهو، والأنا الأعلى والواقع… إن الأنا تقوم بدور التنسيق بين قوى متناقضة في الشخصية، وذلك من خلال آليات مختلفة… وهو مطالب بإحداث نوع من التوافق والانسجام بين هذه القوى المتفاعلة.
مما سبق يمكنأن ننتهي إلى ما يلي:
التحليل النفسي عالج مفهوم الشخصيو كبناء سيكولوجيمركب، متفاعل ودينامي، وبالتالي فإن هوية الشخص كذات أو أنا واعية لا تشكل إلا مستوى من مستويات مختلفة من الشخصية.
لا يمكن اعتبار الأنا بالرغم من دوره الأساسي حسب النحليل النمفسي- أساس هوية الشخص ووحدته، لأن أساس البناء النفسي للشخصية هو اللاشعور (اللاوعي).
ينتهي التحليل النفسي إلى تجاوز التصور الفلسفي الماهوي، الذي يجعل من الأنا الواعي المفكر مركز هوية الشخص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق