Social Icons

مباريات ما بعد الباكلوريا

الأربعاء، 10 يونيو 2015

الشخص بين الضرورة والحرية

يتميز الشخص بأنه ذات عاقلة واعية، حرة ومسؤولة… من جهة، غير أن الشخص من جهة أخرى يعيش ضمن مجموعة من الشروط والحتميات العضوية، النفسية الاجتماعية، الأخلاقية والدينية… التي تحد من حريته، هذه الاستحالة تؤدي إلى طرح التساؤلات التالية: هل الشخص حر ومسؤول عن أفعاله واختياراته، أم هو مجرد كائن منفعل، خاضع لإشراطات وحتميات؟

موقف العلوم الإنسانية

إن العلوم الإنسانية بشكل عام (علم النفس، علم الاجتماع، علم الاقتصاد…) تؤمن بوجود حتميات بيولوجية، نفسية، اجتماعية، اقتصادية،… توجه سلوك الفرد وتتحكم فيه، وبالتالي فالشخص يخضع لسلسة من الإشراطات التي تمثل عالم الضرورة، وتلغي إمكانيات الفرد الحرة واختياراته.

التحليل النفسي

الشخصية من منظور التحليل النفسي نتاج للاشعور، فالجهاز النفسي محكوم باللاشعور، سواء على مستوى الهو كموطن للغرائز والحاجات والدوافع البيولوجية، أم على مستوى الأنا الأعلى، الممثل للقيم والمثل الأخلاقية العليا.

التصور السوسيوثقافي

الشخصية نتاج للمجتمع والثقافة، وهي نتاج سلبي لأن الشخصية الإنسانية تتحكم فيهاالأنماط والأشكال الاجتماعية والثقافية وتخضع للاشعور الجمعي.

خلاصة أولية

إن الشخصية من منظور العلوم الإنسانية، عبارة عن نماذج نمطية جاهزةى يتأطر ضمنها الأفراد بشكل موضوعي ومستقل عن إرادتهم… ومن ثمة تختزل وحدة الشخص ووعيه وفكره وحريته وقيمه الأخلاقية… في علاقات أو بنيات لاشعورية، أو في ما تمارسه المؤسسات الاجتماعية من قهر وإكراه باعتباره مجرد موضوع منفعل أفرغ من مقومات إنسانيته.

أطروحة اسبينوزا

في نفس السياق (لكن من منظور فلسفي)، يعالج سبينوزا مسألة الشخص بين وهم الحرية وإكراهات الضرورة، فهل حرية الشخص وفاعليته مجرد أوهام ترجع إلى الجهل بالأسباب والإكراهات والحتميات المتحكمة فيه هو ما يوهم الإنسان بأنه يتمتع بالحرية والإرادة في أنه سيد أفعاله.
إذا كان كذلك، فهل يبقى للسؤال عن حرية الشخص من قيمة أو معنى؟

أطروحة سارتر

إن الوجودية كما يمثلها فيلسوف الحرية سارتر، تدافع –كفلسفة إنسانية- عن حرية الشخص في اختيار وجوده وتحمله مسؤولية اختياره، وذلك عندما تؤكد أسبقية الوجود على الماهية، الإنسان يوجد أولا، ثم بعد ذلك يختار من يكون بوعي وحرية وإرادة.
صاغ سارتر فلسفته الوجودية حول محور أساسي يتمثل في تأكيد الفردية ودعم الحرية، وتتلخص أطروحته حول الحرية في ثلاث قضايا فلسفية أساسية مترابطة:
-الإنسان حر لأن وجوده أسبق من ماهيته: الإنسان حر بطبيعته، وهو الذي يصنع بنفسه هذه الحرية، كما يختار بنفسه ماهيته، فالإنسان يوجد أولا في العالم ثم يحدد ماهيته، بإرادته الحرة، كأن يكون شجاعا أو جبانا، ناجحا أو فاشلا…
-الإنسان مسؤول عن أفعاله ويتحمل نتائجها: يترتب عن القول بحرية الإنسان واختياره لأفعاله أن يتحمل تبعات أفعاله، أي أن الوجودية تجعل كل فرد وصيا على نفسه ومسؤولا عن أفعاله مسؤولية كاملة، بل يؤكد سارتر أن الإنسان عندما يختار لذاته، فإنه يختار أيضا لبقية الناس لأن اختيار الفرد خير دائما.
-نتيجة لمسؤولية الاختيار، يتولد القلد الوجودي: إن حرية  اختيار الفرد للفعل، وما يرتبط بذلك من تحمل للمسؤولية، يؤدي إلى تولد القلق والخوف من نتائج الاختيار وتحمل المسؤولية، ويرى سارتر أن القلق شيء طبيعي في حياة الإنسان الحر المسؤول، ولا يقصد بالقلق، القلق المرضي بل القلق الوجودي، وإذا كانت الوجودية تدافع عن حرية الإنسان، فما هي حدود الحرية الإنسانية؟
إن التصور الوجودي للحرية كفعل فردي –حسب سارتر- يغفل الشروط الموضوعية المادية الاجتماعية والثقافية… والتي يمكن أن تحد من حرية الشخص.

خلاصة

على الرغم من الضغوط والإكراهات التي يخضع لها الإنسان، فإن لهذا الأخير خصوصيات تمنحه القدرة على التحرر وإثبات أناه، ولعل وعيه بهذه الحتميات نفسها يعتبر خطوة على درب التحرر، لأن الإنسان حسب سارتر مشروع وجود يحيا ذاتيا، وإن جوهر الفعل الإنساني هو الحرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق